هبة بريس – عبد اللطيف بركة
في لحظة امتزج فيها الحزن بجلال المشهد، وفي مكان اختاره قلبه مرقدًا، طوى الموت صفحة رجلٍ مؤمنٍ بأبهى طريقةٍ قد يتمناها قلب موقن بلقاء ربه.
ففي مسجد “فوق العين” بحي الشراردة، بمدينة أولاد التايمة إقليم تارودانت ، وأثناء خطبة اليوم الجمعة، 25 أبريل الجاري، صمتت الدنيا فجأة، وسقط جسد رجل بين صفوف المصلين، ساجدًا بروحه، راحلًا عن الدنيا في بيت من بيوت الله، في يومٍ هو خير الأيام، وفي ساعةٍ يُرجى فيها القبول.
لم يكن في موته صخب، بل سكونٌ مهيب تسلل إلى النفوس، وأصاب القلوب برعشة من التأمل والخشوع، بحسب معارفه لم يكن المتوفي يشتكي من شيء، بل كان كعادته، أول الداخلين إلى المسجد، يستقبل الصلاة بخشوع طفل يتعلم الركعة الأولى، وحين بدأ الإمام يخطب، كان يجلس بهدوء، كأنما يصغي لصوت السماء، هي لحظة واحدة كانت كفيلة بتغيير كل شيء، لحظة سقط فيها دون أن ينبس بكلمة، وعيونه مطمئنة، كأنها رأت ما كنا عنه غافلين.
حاول المصلّون إنقاذه، ارتفعت همهمات الدعاء، وامتزج صوت الخشوع بالبكاء، حتى علم الجميع أن روحه قد سبقتهم إلى الرحيل، لم يكن رحيله صدمة عادية، بل ارتجفت له الأرواح قبل الأجساد، وبكى الرجال قبل النساء، وكيف لا، وهو الرجل المعروف بخلقه الرفيع، وحرصه على الصلاة، وسلامه على كل من عرفه أو لم يعرفه، كان وجهه مألوفًا في كل ركعة، وكانت دعواته بصوت خافت تملأ زوايا المسجد.
وصلت دورية أمنية للمسجد لمعاينة الجثة، وأُخذ جثمانه بهدوء، لكن حضوره ظل باقيًا، لم يخرج من قلوب من صلّوا إلى جانبه، وظل صدى آخر سجدة له يتردد في عيون المصلين، لم تكن جنازته ككل الجنائز، بل كانت مسيرة من دموع وذكر، من حب وصمت مبلل بالخضوع.
هو الموت الذي يخشاه الكثير، لكنه جاءه في أقدس بقعة، وفي أحب وقت، كأن الله اختاره بعناية، ووسط حزن العائلة ووجع الجيران، كان ثمة فرح خفيّ يتسلل، فرح الرجاء بأن الله كتب له حسن الخاتمة، وأن السجدة الأخيرة كانت له بابًا إلى رحمةٍ أوسع.
هل رأيت موتًا يشبه الولادة؟ هناك، في تلك اللحظة، كان الوداع بداية، وكان الرحيل دعوة لكل من بقي أن يتأمل في موته، ويشتاق لمثلها.
تعليقات
0